إن لصوص الكلمة والفكرة لا ينتهجون طريقة واحدة في انتهاك حقوق الملكية
الفكرية للآخرين، بل طرق عديدة، ظاهرة وخفية، مباشرة وغير مباشرة، ساذجة
وذكية, بل ربما نسمع عن طرق جديدة مستحدثة في ظل التقدم المتسارع في
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات..
سرقة المادة بالكامل
إن أشنع أنواع السرقات العلمية على الإطلاق، هو قيام الباحث السارق بسرقة
الكتاب أو البحث بكامله, وقد يظن البعض أن أحدًا لا يجرء على ذلك، والحق
غير ذلك، فقد تكرر كثيرًا قيام أحدهم بكتابة اسمه مكان اسم المؤلف الأصلي
وإعادة طباعة الكتاب في دار جديدة وفي بلد أخرى، وبهذا أصبح للكاتب السارق
كتابًا لم يكتب فيه كلمة واحدة اللهم إلا اسمه!
ومثال ذلك: ما تعرض له المرحوم الدكتور عبد الحليم المرصفي صاحب شرح وتحقيق
كتاب "الجمل في النحو" للجرجاني طبعة دار الهنا بمصر، وكانت الصدمة عندما
شاهد الدكتور المرصفي كتابه يباع بطبعة مختلفة في بيروت وقد كُتب على
الكتاب اسم مؤلف آخر هو اسم السارق. ويتحدث الدكتور كمال دسوقي – مصدر
القصة – في مقالة له بمجلة العرب العدد 11 صفحة 748- أن الدكتور المرصفي
أصيب بشلل نصفي جراء هذه الصدمة أدت إلى وفاته بعد عدة أيام من رؤيته
لكتابه المنهوب بهذه الطريقة البشعة.
ومثال ذلك أيضًا: حصول باحث على درجة الدكتوراة عام 1992 برسالة مسروقة
بالكامل هي في الأصل رسالة ماجستير منشورة عام 1980 لباحث آخر في جامعة
الإسكندرية, وقد تحدثت مجلة "أخبار الأدب" عن هذه الفضيحة في تحقيق صحفي
بتاريخ 25/9/1994.
فقرات محشورة
ومن أهم صور السرقات المباشرة والمتعارف عليها؛ إدخال الكاتب فقرة أو عدة
فقرات كاملة - من كاتب آخر – إلى النص، دون أن يذكر اسم الكاتب الأصلي, فقد
يبدأ الكاتب السارق المقالة بفكرته وبكلامه وسورعان ما يحشر داخل مقالته
عدة فقرات خلسة من كاتب آخر، بحيث تبدو للقارئ وكأنها من بنات أفكار
الكاتب.
ومثال ذلك: ما نشرته صحيفة" المصري اليوم" – بتاريخ 13/5/2008- عن ما أيدته
محكمة جنح مستأنف بني سويف بتغريم الدكتورة سميرة حبيب سعد المدرسة بكلية
التجارة ببني سويف 5000 جنيه، ومصادرة كتابها الذي تقوم بتدريسه لطلبة
الكلية حيث اعتدت على حقوق الملكية الفكرية لزميلها المتوفي الدكتور جلال
محمد شمس أستاذ بكلية تجارة بني سويف، حيث اقتبست جزءً كبيرًا من كتابه دون
الإشارة لإسمه أو كتابه.
تفكيك وإعادة تركيب
وأحيانًا يقوم السارق بتفكيك مقالة الكاتب الضحية ثم إعادة تركيبها بألفاظ،
ومصطلحات مختلفة لإخفاء جريمته، فيغير كلمات وجمل مثل: " الوطن العربي"
إلى "العالم العربي"، " صحيفة " إلى " جريدة ", "أسد" إلى "سبع", "ناقة"
إلى جمل" ..وهكذا، ومن حسن حظ السارق أن اللغة العربية لغة ثرية يمكن أن
تسعفه في إعادة تفكيك النص وتركيبه بمصطلحات أخرى ..
وهذا النوع الاحترافي من السرقة اُتهم به الدكتور محمد عابد الجابري من قبل
الدكتور فهمي جدعان، وبين الأخير كيف أن الجابري حذا حذوه " النعل بالنعل"
على حد وصف جريدة الصباح في تقرير لها عن السطو العلمي أعده كاظم حسوني.
السرقة عن طريق الترجمة
نوع آخر من السرقات العلمية يقوم به لصوص الكلمة، وذلك بترجمة نص أجنبي –
مقالاً كان أو بحثًا أو رواية – إلى لغة أخرى على أساس أنه عمل من إنتاجه
وأنه ليس مترجمًا، وبذلك يأكل حق المؤلف الأصلي صاحب الفكرة الأصلية
والمادة الأساسية ..
وأهم الأمثلة في هذا الباب ما يقوم به بعض أدعياء الأدب في العالم العربي
من ترجمة أعمال أجنبية – لماركيز على سبيل المثال حيث تعرضت مؤلفاته لسرقات
كثيرة من أدباء عرب - وينسبون هذه الأعمال إلى أنفسهم، ويكتب بعضهم على
غلاف الرواية اسمه على أن الرواية من تأليفه، والحقيقة أنها مجرد رواية
مترجمة.
وفي المجتمع الأكاديمي (الجامعات ومؤسسات البحث العلمي) ظهر أكاديميون
يسرقون أبحاث منشورة ومطبوعة في مجلات علمية دولية، ويقدمونها في الجامعة
طلبًا للترقية أو الحصول على درجة علمية، وسرعان ما يُكتشف أن رسالة
الدكتوراه لفلان أو إعلان ما هي إلا رسالة أجنبية مترجمة..
ولقد تحدثت وسائل الإعلام عن أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية –
قسم طب الأطفال – الذي احترف سرقة الأبحاث الأجنبية من مجلات دولية, ولما
فاحت رائحة سرقاته؛ قام رئيس قسم طب الأطفال بتشكيل لجنة برئاسته لفحص
بحوث الأستاذ السارق، وتمخضت اللجنة أن الأستاذ سرق ثمانية بحوث نال بها
درجات علمية كالماجستير والدكتوارة، بل حصل على جائزة الجامعة التشجيعية
ببحث مسروق!
سرقة النقاط البحثية
وقد يقوم السراق بالسطو على نقطة بحثية أو مخطط مسجل لباحث آخر، فمعروف أن
باحث الماجستير أو الدكتوراه يذهب أولاً إلى قسم شئون الدراسات العليا
ويقوم بتسجيل النقطة البحثية والمخطط المزمع إعداده على هيئة بحث موسع،
فيحدث في بعض الأحيان قيام باحث" قليل الأدب" بالسطو على هذه النقطة
وتسجيلها في جامعة آخرى مع استخدام الرشوة لتمرير الموضوع حيث يُمنع إعادة
تسجيل نقطة ما سُجلت في أي جامعة أخرى..
ومثال ذلك ما تعرضت له الأخت الباحثة " شيماء إسماعيل" حيث سجلت نقطتها
البحثية في جامعة القاهرة بتاريخ 8 يناير 2007 وكان عنوان الموضوع "
المدونات المصرية على الشبكة العنكبوتية العالمية مصدراً للمعلومات: دراسة
تحليلية" .. وقدمت في ذلك خطة تفصيلية، وشرعت الباحثة في إعداد بحثها, ثم
كانت المفاجئة بعد عدة أشهر عندما اكتشفت أن موضوعها بما في ذلك العنوان
والمخطط التفصيلي قد تم السطو عليه، حيث سرقته باحثة أخرى بجامعة بني سويف
وسجلته بالنص في جامعتها!
ولاشك أن المشرف على الرسالة يكون متورط مع الباحث السارق في هذه الحالة،
حيث يجب على المشرف منع الباحث من تناول نقطة بحثية سبق تسجيلها.
سرقة عناوين الكتب المشهورة
بعدما نجح الكتاب الشهير "لا تحزن" للشيخ الدكتور عائض القرني، ظهرت عدة
مؤلفات تحمل نفس العنوان، وقد يحتال أحدهم حتى لا يُتهم بالسرقة فيجعل
العنوان "لا تحزن.. إن الله معنا" بحيث تكون الجملة الأولى "لا تحزن" بالخط
العريض الواضح، وتكون الأخرى "إنا الله معنا" بخط خفيف رفيع..
وهكذا في كتاب "رجال حول الرسول" للكاتب الكبير خالد محمد خالد، فيأتي سراق
العناوين بكتابة نفس العنوان أو الاحتيال بكتابة عنوان مثل "رجال حول
النبي" أو "رجال ونساء حول الرسول".. وهكذا.. وكل ذلك داخل في بند السطو
على حقوق الملكية الفكرية وإن صدقت النية في خدمة الدين.
هذا وقد اُشتهرت دور نشر بسرقة عناوين الكتب الناجحة، فتقوم الدار بتكليف
باحث مغمور بتأليف كتاب تحت عنوان "فقه السنة" أو "الرحيق المختوم" على
سبيل.
ولاشك أن سرقة العناوين هي سرقة صريحة لحقوق المؤلفين وتدليس على القارئ
البسيط الذي يسأل عن الكتاب الأصلي ويجهل اسم صاحبه، وفيه أيضًا استغفال أو
"استحمار" لعقلية القارئ الذي جاء طالبًا للعلم والمعرفة فإذا به يقع
فريسة للنصب والاحتيال.