نكتب لكم فتعجز تعابيرنا، وتعزف لكم قلوبنا ألحانا بمشاعر دفينة تدندن أحيانا على أوتار الرئفة والشفقة، وأحيانا أخرى اعتزازا بكم ومفخرة ، ونجهش ببكاء صامت حزين يتقلب متدحرجا بين القلب والكبد ويقف عند عتبات الروح فتقشعر الأبدان شوقا وحنينا فما نجد إلا الدموع في تلك اللحظات الصافية النقية المتجلية التي نذكركم فيها ، نعيش معكم غربتكم نغفوا معكم ونصحوا ، نشعر بحنينكم ولهفتكم لتقبيل تراب الوطن لرؤية الأهل والأحباب، لطرق أبواب الجيران والأصحاب، لشم عبق ريح هذا البلد الطيب ،نشعر بدمائنا فيكم ، نحسها تتدفق في دورتها بشراييننا ،نراكم في تلك الشوارع بشرود الغرباء، نرى نظراتكم الغريبة لمن حولكم هناك ،نرى الألم والوجع في اجتماعكم وانقسامكم ، نرى كسرة الخبز في أفواهكم وقد اختلطت بماء دمعكم نشعر دائما بكم ، نحس دائما إننا ننتظركم، نشعر بأن الدار كل الدار خاوية موحشة بدونكم ...
ننتظر يوما يلتم فيه شملنا ، يوما نراكم فيه معنا، نراكم تمشون وتطئون هذا التراب الذي رواه أجدادنا بدمائهم الطاهرة فأنبتنا وانبتكم ،والذي لا يزال يندايكم حبا وشوقا بكل أدوات النداء.
هنا في ربوع بلادي غادرت الأهل من مدينة إلى مدينة، غبت وأطلت الغياب ثلاثة أيام، أضناني فيهن الشوق، وأرهق جسدي الحنين إلى الدار،والأصدقاء، والجيران كانت كأنها ثلاث سنوات مشمسة ومقمرة ،يوم عودتي في السنة الثالثة من هجرتي من مدينتي إلى مدينتي ..في الحافلة جلس إلى جانبي رجلا في الخمسينات من عمره متوجها معي إلى بلدتي ،نظر رفيق رحلتي لبئر نفسي .فاندهش من عمق سعادتي ،قال لي كم طال غيابك عنهم؟ كنت أتطاير نشاطا كالطفل المشاغب قلت له ثلاثة أيام ،ضحك قائلا ليس لديك حق يا رجل هل في الدنيا رجل يغيب عن الأهل ثلاث أيام،ثم تبسم والماء يتدفق من عيناه يكذب ابتسامته، وقال أنا لم أرى ابنتي وابني منذ سنتين ؟؟ هنا توقف الطفل المشاغب داخل نفسي عن اللعب، وانزلق بظهرة متزحلقا على كرسيه دهشة وعجب!!.وبصوت خافت سألته هل تقصد كما قصدت من شدة الشوق جعلت الأيام سنوات ...بل سنتين.. أربعة وعشرين شهرا !!
هنا ستخنق العبرة الرجال، وهنا سينتهي لعب العيال!!... .أبناء أبانا هذا يدرسون في الخارج هل يا ترى نسيتموهم كما نسيتهم أنا ؟..هل نسيتم أولئك الليبيون والليبيات ؟ إنهم هناك لأجلنا إنهم هناك لأنهم سيعودون ، إنهم هناك لأجل الغد ،كم من أخ ضحى بمستقبله وبحياته تاركا الأهل والدار والوطن لأجل أخته التي تدرس هناك ، وفى الحقيقة التي لا اعتقد انه يعرفها هو نفسه انه ذهب هناك وتغرب لأجلنا جميعا ، لأجل مرافقة احد عقول الوطن الذين ننتظرهم وننتظر حصادهم لنقتسمة كلنا حبة حبة علما وأدبا .لكل الشباب المبعوثين للدراسة خارج حدود الوطن لكل الفتيات الليبيات العفيفات الطاهرات المغتربات نقول نحن ايظا مغتربين بإنتظارنا الطويل لكم سنقف على أرصفة المواني، وفى المطارات ، سنقف عند أبواب ليبيا في كل الجهات ننتظركم بباقات الورود بعيون الأمل بروح المستقبل، ننتظركم و نحن نحمل في قلوبنا شعار (ليبيا الغد) ننتظر هدايكم لنا، ننتظرماحملتموه لنا في حقائبكم من علم، ومن أمل، ننتظر شموعكم تضيءتعليمنا، ننتظر دواءكم يعالج أمراض مرضنا ننتظر خرائطكم تغير بلادنا ومرافقنا، ننتظر شعلة علمكم تحرق الشهادات المزورة المزيفة، ننتظركم تحملون معكم عارض ممطرنا، ننتظركم، وننتظركم، فلاتضيعوا الرجاء، ولاتشمتوا فينا الأعداء.ننتظركم أن تردوا الجميل إلى ليبيا إلى الوطن بالعطاء والوفاء...
وأخيرا ياابناء ليبيا المغتربين لأجلنا، أقول لكم بلهجتنا ولكنتنا ما قاله قديما أجدادنا :
(موش مهم أيش غاب المهم أيش جاب )