أجمع المؤرخون على أن تاريخ تأسيس طرابلس غير معروف على وجه الدقة. غير أن
البعض منهم يؤكد أنها تأسست في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد، على
قطعة أرض تمتد داخل البحر مسافة كيلو متر بعرض كيلو متر أيضا أي أن مساحتها
كيلو متر مربع واحد وهي المعروفة اليوم بميناء طرابلس.. وقد سكن هذا
الموقع الفينيقيون من أبناء ممالك صيدا وصور وجزيرة أرواد وكان لكل منهم
حيّ خاص به وقد ألفت هذه الممالك اتحادا في ما بينها وجعلت مدينة طرابلس
مكانا لاجتماعاتهم لبحث كافة الأمور والمشاكل التي تعود لهذه الممالك، وعلى
هذا الأساس سميت بمدينة Tripoli أي المدن الثلاث نسبة للأحياء الثلاثة
التي ترمز إلى تلك الممالك.
في ذلك العصر، اشتهر الفينيقيون بتجاراتهم الواسعة عبر البحار وكانوا
يملكون أسطولا بحريا هائلا نقلوا فيه بضائعهم إلى كافة أنحاء المعمورة، كما
كانوا أول من اخترع حروف الأبجدية ونقلوها إلى مختلف أرجاء العالم. وقد
ساعدهم في إنشاء أسطولهم البحري وجود منطقة الأرز الجبلية قرب طرابلس حيث
تكثر فيها غابات شجر الأرز والصنوبر... ويوجد بناء من أيام الفينيقيين يدعى
(الحمام المقلوب) وهو عبارة عن بناء صخري على شاطئ البحر أقيم للاتصال مع
المراكب الراسية ومراقبتها وقد تهدّم بفعل الزلازل التي تعاقبت على المنطقة
ولا تزال آثاره حتى اليوم.
وما لبث أن سيطر الفراعنة على الشواطئ الفينيقية وفرضوا الجزية على سكانها.
ولم يمض وقت طويل (لم يتجاوز ربع قرن) حتى انحسر نفوذ الفراعنة المصريين
عن المنطقة ليحل مكانها سيطرة الفرس على المنطقة، ثم صارت المنطقة تحت
سيطرة الإغريق بعد أن انتصر الإسكندر المقدوني على الفرس حتى وفاة
الإسكندر. ومن ثم تمكّن القائد الروماني (بومبي) من ضم لبنان إلى
الإمبراطورية الرومانية وهكذا ظلت طرابلس حوالي 6 قرون تحت الحكم الروماني
(واعتنق أهل طرابلس الديانة المسيحية) إلى أن جاءها العرب الفاتحين.
في العام 683 ميلادية، تمكنت الجيوش الإسلامية من الاستيلاء على المنطقة
العربية بكاملها وتعاقب على حكمها الخلفاء الراشدون ثم الأمويون ثم
العباسيون فالفاطميون ثم بني عمار وكان هؤلاء آخر الحكام العرب في طرابلس
حيث جاء الصليبيبيون حوالي عام 1100 ميلادي وأخذوا يستولون على المنطقة
شيئا فشيئا.
استمر الحكم الإسلامي للمنطقة أكثر من أربعة قرون تميزت فيه طرابلس بأنها
استرعت انتباه الخليفة الأموي الأولمعاوية الذي قدم إليها وبنى في أحواضها
أسطولا بحريا ضخما، واتجه فيه نحو جزيرة قبرص واستولى علسها وأخضعها للحكم
العربي. في حكم الفاطميين، تعرضت سواحل لبنان إلى غارات البيزنطيين الذين
استولوا على العديد من المدن الساحلية باستثناء طرابلس إذ لم يتمكنوا من
احتلالها رغم محاصرتها أكثر من 40 يوما... بعدها جاء بنو عمار واستولوا على
المنطقة وكان مركزهم في مدينة طرابلس حيث أولوها اهتماما كبيرا وأصبحت في
عهدهم مركزا ثقافيا عظيما فأسسوا فيها دارا للكتب والعلم، وحوت مكتبتها
أكثر من مليوني مجلّد في مختلف العلوم والآداب والشعر والفقه، كما أنشئت
المدارس العديدة وأصبحت قبلة لطلاب العلم من مختلف الأنحاء..
(نتابع في الحلقة القادمة)